لا نَعتقد أن اعتقال السّلطات التركيّة لمُوظّف مَحلّي في السّفارة الأمريكيّة في أنقرة بتُهمة التّواصل مع مَسؤولين في حَركة “خِدمة” التّابعة لجماعة فتح الله غولن، هي السّبب الرئيسي في تدهور العلاقات بين أنقرة وواشنطن، بًل ربّما هي بَمثابة “النّقطة” التي أدّت إلى “طَفح الكَيْل”.
العلاقات التركيّة الأمريكيّة لم تَصل إلى هذهِ الدّرجة من التوتّر التي تَعيشها الآن، وكان وَقف إصدار التأشيرات المُتبادل أحد مَلامِحها، مُنذ أزمة قبرص عام 1974، عندما دَخلت القوّات التركيّة شمال الجزيرة، وقامت دولة مُستقلّة فيها لم يَعترف بها أحد غَيرها.
في أزمة شمال قبرص ألغت تركيا اتفاق الدّفاع المُشترك مع أمريكا، وسَيطرت قوّاتها على أكثر من عِشرين من القواعد والمنشآت الدفاعيّة الأمريكيّة في الأراضي التركيّة، وأثناء التّحضير لغَزو العراق عام 2003، رَفض البرلمان التّركي السّماح للطائرات الأمريكيّة باستخدام قاعدة إنجرليك شرق البلاد.
كلمة السّر التي تَكمن خَلف هذا التوتّر هي الدّعم الأمريكي العَسكري المُتصاعد للأكراد ورَغباتهم الانفصاليّة سَواء في شمال سورية والعراق وشرق تركيا بالطّبع، أو حتى شمال غرب إيران أيضًا، فالأتراك يَعتقدون أن هذا الدّعم الذي يَشملُ أسلحة ومُعدّات ثقيلة لا يُمكن أن يكون بهَدف قِتال “الدولة الإسلاميّة”، مِثلما يَقول المَسؤولون الأمريكان.
تركيا قَلقةٌ من التحرّكات “المُريبة” للحَليف الأمريكي، وزاد هذا القَلق عندما رَفضت القيادة العَسكريّة الأمريكيّة بَيعها صواريخ “باتريوت”، مِثلما رَفضت أيّ دَورٍ لها في مَعركتي المُوصل والرقّة، وأعطت للأكراد الدّور الأبرز في اقتحام الأخيرة، ووفّرت لها الدّعم الأرضي والغِطاء الجَوّي.