أضاف تريُّث رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري الأربعاء، في الاستقالة المعلنة من قبله في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي من الرياض، المزيد من الغموض بدل أن يقدّم شرحاً لما حصل منذ الاستقالة المفاجئة، وما تلاها من شائعات وتسريبات وتدخلات دولية وعربية.
تدخلات ووساطات، خصوصاً فرنسية ومصرية، بدا أنها نجحت في مسعاها نسبياً، منذ انتقال الحريري من الرياض إلى باريس، وصولاً إلى تريثه في الاستقالة بناءً على طلب رئيس الجمهورية ميشال عون، صحيح أن الغموض لا يزال سيد الموقف في بيروت، إلا أن قليلاً من المعلومات وبعضاً من التحليل يسمحان بالخروج بخلاصة مفادها أن ما طُلب سعودياً من الحريري فعله لمواجهة “حزب الله” كان أكبر من طاقة الرجل، فاستقال.

لكن الوساطات الفرنسية والمصرية الهادفة إلى إيجاد حلّ وسط يُبقي الحريري في منصبه ولا يترك اللعبة السياسية في لبنان مثلما درجت أن تكون منذ وصول الرئيس ميشال عون إلى الرئاسة، واتساع السيطرة التامة لـ”حزب الله” في الداخل وفي السياسة الخارجية للبنان، ربما انتهت بإقناع الحريري والسعودية بإعطاء مهلة للأطراف المحسوبة على المحور الإيراني في لبنان، أي “حزب الله” وتيار عون، للاقتناع بضرورة التعهّد بتحييد لبنان عن الملفات الخارجية المستفزة بالنسبة للرياض، سياسياً وأمنياً وإعلامياً، تحديداً اليمن والبحرين وربما سورية، بما يقترب من العبارة التي ستكون عنوان المشهد السياسي اللبناني مستقبلاً: النأي بالنفس.
بناءً على ذلك، حصل الاتفاق سريعاً بين الحريري وعون، أمس، بعد احتفال عيد الاستقلال، على تجميد الأول لاستقالته “لإجراء المزيد من المشاورات”، مع استعادة الرجل وهج شعبيته التي تعرضت لإحباط طيلة الأيام الـ18 التي غاب فيها الحريري عن لبنان، فنُظّم له مهرجان تأييد سياسي كبير في مقر إقامته، ربما يكون عنواناً لمرحلة ينتقل فيها إلى “الهجوم” في فرض شروطه على الأطراف الأخرى مقابل البقاء في رئاسة الحكومة.
وفي الذكرى الـ74 لاستقلال لبنان، عطّل الحريري من قصر بعبدا الرئاسي مفاعيل استقالته التي أعلنها في الرياض، بعد لقائه عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وشدد، في خطاب التريث في الاستقالة، وهو مصطلح يطرح للمرة الأولى في السياسة اللبنانية، بعد لقاء عون على “أهمية التمسك باتفاق الطائف، ومنطلقات الوفاق الوطني، ومعالجة المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقة لبنان بالأشقاء العرب.