لا تغيب حركة الفلسطينيين عن وجه المدينة في ساعات صيامها الأولى من كل يوم، فمفترقات الشوارع الغزّية تزدحم بالعُمال والموظفين وطلاب الجامعات وغيرهم، ممن لديهم شؤونهم وأعمالهم الحياتية، كونهم اعتادوا على العمل في رمضان رغم قسوة الظروف.

ومع ساعات الظهيرة، تظهر أولى أجواء هذا الشهر في الأسواق الغزّية، التي زُينت بالفوانيس والأهلة، بيد أن الحركة تبدأ بالازدحام فيها حتى الساعة الأخيرة من الصيام، التي يُكابد فيها الفلسطينيون لشراء مستلزماتهم اليومية لإتمام فطورهم وعائلاتهم.

ومن الميناء إلى شماله، نحو أحد المخيمات القريبة من ذلك الميناء، تظهر الصورة العامة للفلسطينيين في جلساتهم البسيطة على عتبات منازلهم قبيل ساعات الإفطار، بعضهم يتسامر عن أحوال المدينة الشاحبة، وآخرون يجلسون بعيونهم حرسًا لأطفالهم الذين هربوا للعب أمام بيوتهم انتظارًا للإفطار

أمّا شوارع المخيم فلا تختلف عن المدينة وطرقاتها في رمضان، فالاختلاط حادث في روائح أكلات الفلسطينيين وموائدهم في الساعات الأخيرة من الصيام، كما في الزينة التي تظهر للسائرين في القطاع، والتي اعتاد بعضهم على تعليقها في منازلهم وعلى نوافذهم، كجو عام للإحساس بنفحات رمضان.

تلك الطقوس السابقة من زينة رمضانية وجلسات بسيطة وحركة داخل الأسواق تدفع بالغزّيين إلى كسر شبه يومي لحالة الإحباط والكبت، من واقع المدينة المحاصرة إسرائيليًا للعام الحادي عشر على التوالي، عدا عن اشتداد أزماته في قضايا شح الكهرباء والتقليصات في الرواتب للموظفين.

ومع دخول العد التنازلي لرفع أذان المغرب فوق آذان البيوت، التي سكنت صمتًا لسماعه، لكسر صيامها عن الحياة في غزة، يظهر القطاع شبحًا في وجه من تأخر على إفطار عائلته، من خلو الشوارع والطرقات من الساكنين الذين سرعان ما يعودون لازدحامها بعيد ساعة الإفطار الأولى.